إن آخر شيء كان يتوقعه وزير الخارجية الأميركي هو أن يفاجأ بحضور نظيره الفرنسي إلى جنيف الأسبوع الماضي. وبالتأكيد، كان ينبغي أن يكون لدى "كيري" إشارة أن وزير الخارجية الفرنسي ورئيسه، اعتقدا أن الاتفاق الذي بالكاد وافق عليه الغرب والإيرانيون ما هو إلا "لعبة حمقي." ورغم ذلك، فإن هذا الخطأ الفادح لن يؤدي إلى بحث كبير حول "ما الخطأ الذي حدث"، وذلك لأسباب عديدة. أبرز هذه الأسباب أن "كيري" وزملاءه في إدارة أوباما كانوا على نفس المستوى من الارتياح لتوقف عقارب الساعة حول المفاوضات. وقد اعترف بذلك أحد كبار المسؤولين بالإدارة الأسبوع الماضي، حيث بات من الواضح أن المعارضة السياسية المتزايدة للاتفاق المعلق على الصعيد المحلي وعلى مستوى الحلفاء بالخارج تتطلب انتباهاً وإلا سوف تتمخض عن رد فعل عنيف من شأنه عرقلة الاتفاق. وهناك، بالطبع، أسباب أخرى لهذا الانهيار الواضح بين الولايات المتحدة وحليفتها التي ظللنا نعمل معها بشكل وثيق لسنوات في مفاوضات 5+1. ومن بين هذه الأسباب أن "كيري" أكد أثناء زيارته لأبوظبي هذا الأسبوع أن الإيرانيين هم الذين فضوا المحادثات وليس الفرنسيون. وأوضح أنه كان هناك اتفاق عام حول البنود، ولكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وفريقه "لم يستطيعوا قبوله في تلك اللحظة المحددة، لم تستطيعوا قبول ذلك الشيء". من جانبه فقد أشار "ظريف" على حسابه بموقع تويتر أن "نصف النص الأميركي" تم تغييره" مساء الخميس قبل الماضي، ولم يحدث ذلك من قبل إيران. واتهم كيري بانه هو من حاك الانهيار وحذر أن مثل هذه المناورة الدبلوماسية "سوف تحدث المزيد من التآكل في الثقة." وإلى جانب هذا الجدل الأميركي-الإيراني، هناك أيضاً اعتقاد همسي بين البعض - في الشرق الأوسط وواشنطن -أن التغيير الذي طرأ في اللحظة الأخيرة على لغة الخطاب وما تلاه من "شقاق" بين الولايات المتحدة وفرنسا كان ملائماً للغاية من الناحية السياسية. فقد بدأت كل من باريس وواشنطن تشعران بغضب من حلفاء مثل السعودية، ورغم أن فرنسا تخشى ضغطاً اقتصادياً تجاه الصفقات الكبيرة المعلقة بينها وبين السعودية، إلا أن الأميركيين بإمكانهم رؤية معارضة منظمة تتشكل في البيت الأبيض (كابيتول هيل). وكان القلق من أن هذه المعارضة لن تؤدي فقط إلى رفض أي اتفاق تم التوصل إليه مع إيران، ولكنها أيضاً قد تؤدي للضغط لفرض عقوبات أكثر قسوة. مثل هذا رفض مبادرة سوف يكون بالطبع مدمراً للرئيس ويخلق أصداء حول جهوده الفاشلة للحصول على تأييد الكونجرس لتدخله المقترح في سوريا لتجريدها من مخازن أسلحتها الكيماوية. وحتى في ضوء اتفاق جنيف الذي يهدف إلى التوصل لتجميد مؤقت لبرنامج إيران النووي في حين أنه بالإمكان التوصل لاتفاق أكثر دواماً، فإن أسئلة تدور حول ما إذا كان بإمكان اتفاق قريب المدى أن يحقق هذا الهدف، إذا لم يستطع تجميد جهود التخصيب، وإغلاق العمل بالمفاعل الإيراني القادر على إنتاج البلوتونيوم. فريق أوباما لديه عمل كبير للقيام به للحصول على تأييد للاتفاق. كما لا يجب على الإيرانيين الابتهاج بسبب تأجيل الاتفاق...بدعوى أن أي تأخير يكسبهم المزيد من الوقت لإحراز تقدم في برنامجهم للأسلحة النووية. انهم يريدون بشدة تخفيف العقوبات، وللحصول على ذلك، فهم بحاجة إلى الاتفاق للفوز بدعم الكونجرس الأميركي. أما الفوز بتأييد البيت الأبيض والشعب الأميركي لمثل هذا الاتفاق، فربما يكون الاختبار الكبير القادم الذي يواجه الرئيس على الساحة المحلية. والفشل في هذا الأمر، بعد فشله في كسب التأييد لجهوده في سوريا، والضجة الكبيرة التي أحدثتها فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي، وكذلك سياساته المتقلبة والمرتبكة بالنسبة لمصر، قد يكون كل ذلك بمثابة نكسة كبيرة للرئيس في فترة ولايته الثانية. والقلق الرئيسي للمتشككين والمعارضين على الساحتين المحلية والدولية بالنسبة لأي تقارب مع إيران هو كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تضمن أن أي اتفاق سيتم الالتزام به، وهل يجب أن يكون لديها العزم لمعاقبة إيران على أي عثرات أو تحريفات. وباختصار، فإن العنصر الأهم في هذا الاتفاق ليست في الكلمات التي صاغها دبلوماسيون، ولكن فيما يكمن في قلب الإيرانيين والرئيس الأميركي. فإذا كانت إيران عكس الأنماط السابقة وسوف تلتزم بالاتفاق، فإنه قد يصبح جزءاً من قواعد جديدة لخفض التوتر، الأمر الذي يجب أن يكون موضع ترحيب في المنطقة. حتى وإنْ نجحت الأطراف في نهاية الأمر في صياغة وتنفيذ اتفاق، فإن حل المشكلة النووية الإيرانية لن يحل مشكلة إيران بالنسبة للمنطقة بأسرها أو بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، بل سيكون خطوة كبيرة للأمام. على الرغم من أن إيران، حتى الآن، لا تشكل قوة نووية، إلا أنها تسببت في الكثير من المشاكل، حيث تظل بالنسبة للعالم الراعي الرئيسي للإرهاب. فهي تسعى لأن تكون قوة إقليمية مهيمنة مع عملائها في العراق وسوريا ولبنان وغزة. كما أنه بإمكانها أن تسبب الفوضى في أسواق النفط العالمية من خلال استخدام الأسلحة التقليدية لتعريض مسارات السفن للخطر. لا يوجد أي اتفاق مطروح لعلاج هذه التهديدات. التوصل لاتفاق نووي مع إيران أمر مرغوب فيه، كما أنه مشحون بالمخاوف. فبالنسبة للإيرانيين، فإن التوصل إلى اتفاق ضعيف أو لا اتفاق، أو اتفاق من شأنه تخفيف العقوبات المفروضة عليهم لفترة قد يعتبر نجاحاً. وبالنسبة للقوى العظمى في العالم والدول المجاورة لإيران، فإن الأمر يتطلب حذر وقوة وإرادة لاتخاذ إجراءات خطيرة ومجازفة في السنوات المقبلة لضمان نجاحه. كما يجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع حلفائها في المنطقة وحول العالم، لموازنة طموحات ومبادرات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلى جانب الحفاظ على تحالفاتها الحرجة في الخليج وإسرائيل. كما ينبغي أن تواصل الأمل لدعم تغييرات داخلية في إيران وتلك هي المهمة الأصعب؛ ففي ظل إصلاح حقيقة وتعددية حقيقية وتشكيل حكومة أكثر التزاماً بحل المشكلات الداخلية بدلاً من التسبب في إحداث أزمات دولية، يمكن للوضع أن يتبدل وتخف حدة التوترات. ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"